
لنتخيَّل أننا، بلمسة إصبع، نرحل عبر الزمن، عبر عشرة مليارات سنة ضوئية. نواجه الحصيلة الكثيفة والمعقدة من الحطام الفضائي الدائر حاليًّا حول كوكبنا. ونسمع الأصوات الناتجة عن البيانات التي جمعتها الأقمار الصناعية عندما كانت تدور في الفضاء.
ليست هذه الرحلة محض خيال، بل مغامرة يمكن خوضها في معرض “علم آثار الكون: استكشافات عبر الزمن، وفي الفضاء”. وتستضيف بكين هذا المعرض، في المتحف الوطني بساحة “تيان آن مِن”، ويأتي ثمرة التعاون بين سويسرا والصين، وتحديدًا،بين المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان، وقسم علم الفلك وأكاديمية الفنون والتصميم في جامعة تسينغهوا المرموقة في بكين.
تحويل البيانات الكونية إلى أعمال فنية
ينغمس كل من يدخل المتحف في رحلة تفاعلية وغامرة، عبر تاريخ الكون. فالأجسام السماوية في الفضاء، بمثابة أحافير تحتفظ بالبيانات التابعة للبيئة الكونية منذ زمن تشكّلها. وينطوي علم آثار الكون على مراقبة هذه “الآثار” ودراستها، أي أقدم الأجسام والهياكل السماوية، لتتبع تاريخ تطوّر الكون، وكتابة “تاريخه”.
وتوضح سارة كيندردين، البروفيسورة في المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان، ومنظّمة المعرض المعروفة عالميًّا بريادتها في مجال النظم المعلوماتية بالمتاحف، مُدمِج الذكاء الاصطناعي بالبيانات العلمية: “نبدأ بمجموعة من البيانات المجرّدة، ونجعلها مرئية، لنقدّم نظرة جديدة للكون”.
وتشرح كيندردين قائلة إنها تنطلق من عملية رسم خرائط الكون، وهي فكرة قديمة ومبتذلة، ومن الأدوات المستخدمة لرصد النجوم ورسمها. ومن ثم تنتقل إلى كمية البيانات الهائلة الملتقَطة، وتضيف: “هذه البيانات تجريدية بشكل كبير؛ مَا يجعل دراستها صعبة للغاية. ويجعلها هذا المعرض ملموسة، ليستكشفها الناس”.
معرض علم آثار الكون في بكين
مُجسَّم لكواكب مستوحى من الخرائط النجمية، من إبداع الفنان السويسري، باسكال بيتكس. Elisa Tirabassi
يتكوّن المعرض من ثماني تركيبات فنية موزعة على أربع أقسام: “الأدوات والتقنيات – رسم خرائط الكون”، “سماء البيانات الضخمة”، “الفضاء المستدام”، و”المستقبل – الرحلات نحو النجوم”. ويتجوَّل فيه الزوُّار بين عروض رقمية تفاعلية، ومنحوتات متحركة، وأعمال تصميم.
وخلال حفل افتتاح المعرض، خيّم على الحضور شعور بالدهشة والحماس. ويقول تشانغ، المتخصّص في المتاحف: “بإمكانك استخدام جهاز التحكم عن بُعد، لترى كيف أنتج كل بلد حطامًا فضائيًا على مرّ الزمن”.
أمَّا بالنسبة إلى المحامي واي، فيعتبر أن الجانب المثير للاهتمام، هو قدرة المعرض على ترجمة شيء من الماضي إلى لغة عصرية، ويقول: “يجمع المعرض بين الفن، والتاريخ، وعلم الفلك. لقد شعرنا بإلهام كبير بعد زيارتنا، وسنأتي في المرة القادمة مع أطفالنا!”.
المساهمة الصينية
انطلق المعرض قبل ثلاث سنوات، من المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان، ثم وصل إلى متحف علم الفلك في شنغهاي في الصين أولًا، وبعدها إلى متحف العلوم في غوانغدونغ، وها هو يُعرض للمرة الرابعة في بكين.
وتوضح كيندردين أن المساهمة الصينية في المعرض كانت مهمة للغاية، وتقول “إن النهج الصيني أكثر شاعرية مقارنةً بالنهج التعليمي الذي يتّبعه الغرب إلى حدٍّ ما”.